انهيار الجيوش العربية- الموصل وحلب كنموذج لقوة العقيدة وضعف المعنويات.

المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.31.2025
انهيار الجيوش العربية- الموصل وحلب كنموذج لقوة العقيدة وضعف المعنويات.

في العاشر من يونيو عام 2014، تفاجأ العالم بسيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل في غمضة عين، ودون أي مقاومة ذات قيمة من الجيش العراقي الذي كان متمركزاً فيها، ثم انسحب بشكل كامل. ومؤخراً، شهدنا واقعة مماثلة في حلب، حيث استولت قوات المعارضة عليها دون أي مقاومة جديرة بالذكر من الجيش السوري. ونقلت وكالة أنباء رويترز عن ثلاثة مسؤولين عسكريين رسميين أن أوامر صدرت بـ "انسحاب آمن" أمام تقدم قوات المعارضة. فما هو إذاً السر وراء انهيار الجيوش العربية أمام خصوم أضعف، لا يملكون طائرات ولا دبابات أو أسلحة متطورة؟ يكمن الجواب في حقيقة الواقع المعيشي للجندي وعقيدته العسكرية. فبعد يوم كامل من القتال، يحصل الجندي السوري على حصة غذائية ضئيلة تتمثل في بيضة وحبة بطاطس صغيرة مسلوقة ورغيف خبز، بالإضافة إلى رواتب متدنية بالكاد تكفي لتأمين حياة كريمة. يضاف إلى ذلك معاملة مهينة من قبل الضباط الأعلى رتبة، حيث يُعامل الجندي كخادم شخصي يُستخدم لخدمة عائلاتهم وأبنائهم، مع انتشار ثقافة الإهانة والتحقير، خاصة مع وجود فوارق طائفية بين الضباط والرتب الدنيا. ولا ننسى التجنيد الإجباري الذي يجبر الكثيرين على الخدمة رغم رفضهم المبدئي لهذا الدور. لهذا السبب، ألغت أمريكا التجنيد الإجباري؛ لأن المجندين، حتى في ساحة المعركة، كانوا يتقاعسون عن القتال، كما حدث في حرب فيتنام، حيث كانت النسبة الأكبر من القتلى من المجندين الذين لم يقاتلوا حتى للدفاع عن أنفسهم. إذن، ما هو الدافع الذي يدفع الجندي السوري أو العراقي للاستماتة في القتال، وهو يعلم أن مقتله سيترك عائلته في فقر مدقع وتشرذم؟ راتبه الضئيل لم يمكنه من تأمين مستقبلهم، بل أغرقه في الديون. في المقابل، يقاتل أفراد المعارضة بدافع العقيدة والثأر الشخصي. فقد نشأ جيل كامل في خيام اللاجئين، وعانى من التهجير والقصف المستمر، ولم يعرفوا معنى الحياة الطبيعية الآمنة. من كان عمره عشر سنوات في بداية الثورة، أصبح الآن في العشرين من عمره، وبالتالي فإن دافعيته الذاتية أقوى بكثير من الجندي المهزوم نفسياً. فالجيوش لا تنتصر بالشعارات الرنانة أو الأسلحة المتطورة، والدليل على ذلك انتصار حركة طالبان على القوات الحكومية المدعومة بالأسلحة الأمريكية المتطورة. إنما الانتصار الحقيقي يكمن في الحالة المعنوية للجنود، وهو عامل غالباً ما يتم تجاهله في بعض الجيوش العربية، ولهذا السبب لم تخض حرباً إلا وخسرتها بشكل لا يصدق. ففي الحربين الأمريكيتين على العراق، كان الانهيار والاستسلام الجماعي للجنود العراقيين صادماً لدرجة أنه انتشرت نظريات مؤامرة غربية تزعم أن الأمريكيين استخدموا أسلحة سيكوترونية تتحكم بموجات الدماغ وتولد حالة من الخوف والهلع الشديد، وهذا ما يفسر استسلام الجنود العراقيين جماعياً، حيث لم يستوعبوا كيف يمكن لجيش قيل لهم إنه الأفضل في الشرق الأوسط بسبب خبرته الطويلة في الحروب أن يستسلم بهذه السهولة ودون مقاومة. بشكل عام، هناك مخاوف من أن يتكرر في حلب سيناريو استعادة السلطة العراقية للموصل، وذلك بتدميرها بالكامل وقتل أعداد كبيرة من المدنيين فيها. وقد صرحت روسيا بأنها ستقدم للنظام السوري المزيد من المساعدات العسكرية في حربه مع قوات المعارضة في حلب، مما يجعل حلب مرشحة لمصير مشابه لمصير الموصل. إن إسقاط أي مدينة هو أمر سهل، فالجنود يفرون دائماً من أرض المعركة، ولكن الكارثة الحقيقية تكمن في تبعات الانتصار السريع، أي القصف الجوي المدمر الذي يدمر المدينة على رؤوس ساكنيها، كما حدث في الموصل وغيرها من المدن العراقية السنية التي تمركز فيها تنظيم «داعش»، والتي دُمرت بالكامل. فقوات المعارضة لا تمتلك أي وسيلة لمقاومة القصف الجوي، ولذلك فإن الأسوأ ينتظر أهل حلب وغيرها من المناطق التي توغلت فيها قوات المعارضة، والمدنيون هم من يدفعون الثمن دائماً.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة